السحلب: المشروب الشتوي التقليدي وفوائده الصحية العميقة

السحلب هو مشروب دافئ غني بالمذاق، يعود أصله إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو من المشروبات التي تتمتع بشعبية كبيرة خلال فصل الشتاء، خاصة في البلدان العربية. يتميز السحلب بقوامه الكريمي الناعم ونكهته الفريدة التي تجمع بين حلاوة اللبن وعبق القرفة والفانيليا، مع لمسة مميزة من النكهة الجوزية في بعض الأحيان. يعتبر السحلب أكثر من مجرد مشروب دافئ، فهو يحمل في طياته تاريخاً وتراثاً ثقافياً عريقاً، وله قيمة غذائية وصحية تجعله خياراً ممتازاً لتعزيز المناعة ومواجهة برودة الشتاء.

أصل السحلب وتاريخه

يعود تاريخ السحلب إلى قرون عدة، حيث ارتبط بالطب الشعبي في منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق أوروبا وبلاد الشام. كان السحلب يستخدم في العصور القديمة كمشروب مغذي وملطف للجهاز الهضمي، وأيضاً كمصدر للطاقة. كلمة “سحلب” في اللغة العربية تعني نوعاً من النباتات التي تنتج درنة تشبه الدرنات الصغيرة تحت الأرض، وهذه الدرنة هي المكون الأساسي التقليدي للسحلب. مع مرور الزمن، تحولت طريقة تحضير السحلب من استخدام الدرنة الأصلية إلى استخدام نشا الذرة أو نشا الأرز لتسهيل التحضير وتوفير تكلفة أقل، مع الاحتفاظ بالطعم والقوام الغني.

مكونات السحلب الأساسية وطريقة تحضيره

السحلب يحضر أساساً من اللبن الطازج أو الحليب كامل الدسم، ويضاف إليه النشا أو مسحوق السحلب (المشتق من درنات نبات السحلب أو بدائل أخرى) ليمنحه القوام الكثيف والمخملي. ثم تضاف مجموعة من التوابل مثل القرفة والفانيليا، وأحياناً يُزين بالمكسرات مثل الفستق الحلبي أو اللوز أو جوز الهند المبشور.

مكونات السحلب التقليدية:

• لبن أو حليب كامل الدسم

• نشا السحلب أو نشا الذرة

• سكر

• قرفة مطحونة

• فانيليا

• مكسرات (اختياري)

طريقة التحضير:

1. يخلط النشا مع كمية قليلة من اللبن أو الحليب البارد لتذويب النشا وعدم تكوين تكتلات.

2. يُسخن باقي اللبن أو الحليب على النار حتى يبدأ بالغليان.

3. يُضاف خليط النشا تدريجياً مع التحريك المستمر لمنع التكتل.

4. تُضاف السكر والتوابل (القرفة والفانيليا) ويتم التحريك حتى يتكاثف الخليط.

5. يُسكب السحلب في أكواب ويُزين بالمكسرات أو القرفة حسب الرغبة.

الفوائد الصحية للسحلب

يتميز السحلب بفوائده الصحية المتعددة التي تجعله مشروباً مثالياً لفصل الشتاء، فهو ليس مجرد مشروب دافئ بل يحتوي على عناصر غذائية مهمة، ويدعم صحة الجسم بطرق متعددة:

1. تعزيز الجهاز المناعي

يحتوي الحليب المستخدم في السحلب على فيتامينات مثل فيتامين د وفيتامين ب12، بالإضافة إلى البروتينات التي تساعد على تعزيز مناعة الجسم. إضافة القرفة له خصائص مضادة للبكتيريا والفيروسات، مما يدعم قدرة الجسم على مقاومة الأمراض.

2. تحسين عملية الهضم

يعتبر السحلب ملطفاً للجهاز الهضمي، حيث يساعد في تخفيف التهابات المعدة وتهدئة الأعصاب المعوية. النشا الموجود فيه يساهم في تقليل حدة اضطرابات المعدة ويمتص الأحماض الزائدة، مما يمنح راحة للمعدة.

3. مصدر للطاقة

بفضل احتوائه على الحليب والسكر، يوفر السحلب طاقة سريعة ومتجددة للجسم، وهو مثالي لمن يعانون من التعب أو يحتاجون إلى دفعة طاقة خلال الطقس البارد.

4. دعم صحة العظام

الحليب الغني بالكالسيوم يجعل السحلب مشروباً مهماً للحفاظ على صحة العظام، خصوصاً في الفصول التي يقل فيها التعرض لأشعة الشمس، مما قد يؤدي إلى نقص فيتامين د.

5. تأثير مهدئ ومريح

يحتوي السحلب على مركبات مهدئة مثل الفانيليا والقرفة، التي تساعد على الاسترخاء وتحسين المزاج، مما يجعله مثالياً للاستهلاك في أوقات الإجهاد أو بعد يوم طويل.

السحلب في الثقافات المختلفة

تختلف طريقة تحضير وتقديم السحلب باختلاف البلدان والثقافات، ولكنه يحتفظ بنفس القاعدة الأساسية. في تركيا، يُعرف السحلب باسم “سوتلاش” وهو جزء من الحلويات التقليدية. في مصر وبلاد الشام، السحلب مشروب شعبي يقدم في المواسم الباردة، وغالباً ما يُستهلك في المناسبات الاجتماعية أو الأسواق الشعبية.

في لبنان وسوريا، يضاف أحياناً ماء الورد أو ماء الزهر لإعطاء نكهة مميزة، وتنتشر عادة تناول السحلب في رمضان لتعويض السوائل وتدفئة الجسم بعد صيام النهار.

أنواع السحلب المختلفة

بسبب انتشار السحلب عبر مناطق واسعة من العالم، نشأت أنواع متعددة تختلف في المكونات والتوابل المستخدمة:

• السحلب التقليدي: يستخدم نشا السحلب الأصلي مع الحليب والقرفة والسكر.

• السحلب بالفستق: يضاف إليه الفستق الحلبي المجروش على الوجه.

• السحلب بالمكسرات المشكلة: يحتوي على اللوز والجوز والكاجو.

• السحلب النباتي: يُستخدم حليب اللوز أو حليب الصويا بدلاً من الحليب الحيواني للأشخاص النباتيين أو الذين يعانون من حساسية الحليب.

• السحلب بالفواكه المجففة: يُضاف إليه التمر أو الزبيب أو المشمش المجفف، ليعطي نكهة غنية ومميزة.

السحلب وفوائده في تحسين جودة النوم

أثبتت دراسات عدة أن احتواء السحلب على الكالسيوم والفوسفور وبعض الفيتامينات، إلى جانب التوابل الدافئة مثل القرفة والفانيليا، له تأثير مهدئ يساعد على النوم بشكل أفضل. يساعد الحليب في إنتاج هرمون الميلاتونين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم النوم، مما يجعل السحلب مشروباً مثالياً لاحتسائه قبل النوم.

القيمة الغذائية للسحلب

يمكن تناول السحلب كجزء من النظام الغذائي الصحي، إذ يحتوي على قيم غذائية مهمة تدعم مختلف وظائف الجسم:

تختلف هذه القيم بناءً على كمية السكر والمكسرات المستخدمة.

الاعتبارات الصحية عند تناول السحلب

رغم فوائده المتعددة، يجب الانتباه إلى بعض النقاط الصحية عند تناول السحلب:

• يحتوي السحلب على سكر مضاف، لذا يجب على مرضى السكري تناوله بحذر أو استشارة الطبيب.

• المصابون بحساسية الحليب أو اللاكتوز يجب عليهم استخدام بدائل الحليب النباتية أو الابتعاد عن تناوله.

• الإفراط في تناول السحلب قد يؤدي إلى زيادة الوزن بسبب محتواه من السعرات الحرارية.

الخلاصة

السحلب هو مشروب تقليدي غني بالتاريخ والنكهات والفوائد الصحية، ويجمع بين اللذة والفائدة في آنٍ واحد. إن تناوله في الأجواء الباردة ليس فقط وسيلة للدفء، بل يمنح الجسم عناصر غذائية هامة تدعم المناعة والهضم والطاقة. التنوع في طرق تحضيره يضفي عليه غنى ثقافياً وتنوعاً في النكهات يلبّي جميع الأذواق. يبقى السحلب رمزاً من رموز الضيافة والدفء في الشتاء، ويستحق مكانته في قائمة المشروبات الصحية التقليدية ذات القيمة العالية.

المراجع

• الموسوعة العربية العالمية: قسم الطب الشعبي والتغذية.

• دراسة علمية حول فوائد الحليب والتوابل في السحلب، مجلة الغذاء والصحة، 2020.